الرئيسية
لماذا يصاب الإنسان بالشيخوخــة؟
يفقد الإنسان بعد سن الأربعين فما فوق القدرة على البصر والسمع وإتلاف الحس والبطء المتزايد في رد الفعل وتراجع خفة النفس، ثم فيما بعد صعوبة الاستيعاب وتدارك الأحداث، إضافة إلى ضمور العضلات وعياء العظام ونقص القامة· الكثير من الأبحاث تعكف حاليا على دراسة ظاهرة الشيخوخة التي بقيت إلى يومنا هذا أمرا غامضا ومعقدا، ستؤدي إلى اكتشافات قد تغيّر الكثير من المفاهيم والمعتقدات، سواء فيما يتعلق بالشيخوخة النفسية أو المظهرية اللتان تمثلان حالتين مستقلتين تماما، بحيث نجد أحيانا إنسان مظهره ما يزال شابا لكن حالته النفسية متقدمة جدا في السن، أي عاجز من الناحية الفكرية والعقلية· والعكس صحيح، حيث يكون أحيانا شخص متقدم في السن بينما حالته النفسية ما زالت كلها شباب ويقظة ونشاط فكري وعقلي، يتمتع بجميع وظائفه وحيويته·
متى تبدأ تظهر أولى علامات الشيخوخة عند الإنسان؟ وما هي مسببات هذه الظاهرة؟ وكيف يمكن تداركها أو إبعادها أو تأخيرها إلى حد ما؟
الشيخوخة تعني التقدم في السن الذي يخص كل مكونات جسم الإنسان بما فيها الخلايا، الأنسجة، الأعضاء والأمزجة وكذلك الدم، الأوعية، الأعصاب واللمفة ··· الخ، أولى علامات الشيخوخة عند الإنسان التجعدات الجلدية التي تبدأ منذ الثلاثينيات وضمور العضلات ثم العظام التي تصبح أقل قوة وصلابة ثم الأوعية الدموية فالأعصاب، حيث يلاحظ الإنسان نقص بصره وسمعه ثم تراجع اليقظة والفهم ثم الذاكرة··· إلخ· قد تسبق هذه الأعراض أوانها عند البعض أو تتأخر عند البعض الآخر وهذا راجع إلى عوامل عدة بعضها وراثية وأخرى خاضعة للعادات والضغوطات والمناخ· مسببات هذه الظاهرة الطبيعية التي لا مفر منها كثيرة، فكلما كانت التغذية ناقصة أو غير متوازنة واحتوت على سكريات بكثرة والدهون الضارة كثلاثي الغليسيرين والكولسترول الخفيف (LDL) كلما أسرعت بظهور الشيخوخة، فإن تجمع الكولسترول في الدم الذي هو أمر طبيعي يبدأ من أول يوم يولد فيه الإنسان لكن غير الطبيعي هو مرور هذا الكولسترول إلى الأنسجة التي يغمرها شيئا فشيئا مسببا شيخوختها مثل نسيج الكولاجان الذي هو نسيج خاص كثير التأثر بالهرمونات من جهة التي تفرزها الغدد، حيث غالبا ما نشاهد الشيخوخة المبكرة عند المرأة التي خضعت لاستئصال المبيضين وبالإنزيمات من جهة أخرى التي تفرزها مختلف الأعضاء (المعدة، الأمعاء، البنكرياس·· الخ) والتي يؤدي غيابها إلى أمراض خطيرة وإلى الشيخوخة المبكرة، إضافة إلى المواد الشاذة التي ينقلها الدم والتي تضر بهذا النسيج لتساهم بدورها في ظاهرة الشيخوخة التي تتوسع من البشرة إلى العضلات، العظام، الشعر، الأعضاء الداخلية··الخ ثم افتقار العظام للكالسيوم الذي يمثل سبب ضعفهم وهشاشتهم ونحولهم، تجعل الإنسان أقل قوة وأصغر قامة مما كان عليه، فغالبا ما يشكو من أوجاع وأضرار عدة كالتهابات المفاصل أو تضررها ولين العظام ونحول العظام··الخ· إلى جانب التغذية، المخدرات، الكحول، التبغ، السهرات، الإرهاق كلها عوامل تلعب دورا بارزا في الشيخوخة المبكرة وأكثر، بحيث تقلّص مدة الحياة والتداوي العشوائي والمفرط الذي يقتل الخلايا ويسبب ضمور الأنسجة والأعضاء وتدني أدوارها ووظائفها الذي يعجّل بظهور أعراض الشيخوخة قبل أوانها، إضافة إلى دور المناخ في الشيخوخة، فحرارة الشمس ما فوق البنفسجية تقضي على نسيج الكولاجات وليونة البشرة ورطوبتها وتسبب التجعدات الجلدية وثنيات البشرة ثم البرد الذي ينقص من مقاومة الجسم الذي يشيخ بسرعة، زيارة إلى كل هذه العوامل نضيف غياب الحركة والنشاط والعزلة والكبت، بالإضافة إلى الأمراض المزمنة التي تساهم في إتلاف الكولاجن بتضرر أليافه من جهة وتراكم مواد شاذة في وسطه من جهة أخرى التي تفسّر عددا من الأمراض التي تسبق الشيخوخة غالبا مثل تصلب الشرايين، داء النقرس، تجمّع مواد غريبة في مختلف الأنسجة والأعضاء (الأميلوز) كما لا يمنع المخ والأعصاب والخلايا العصبية من الشيخوخة أيضا نظرا لتأثرهم البالغ بمختلف العوامل المادية والكيمياوية والنفسية، حيث نشاهد تراجع تدريجي لكل من الذاكرة والقدرة على التفكير والتركيز ليصبح الشخص كثير النسيان وقليل الاستيعاب والفهم وانعدام رغبة الإطلاع والبحث وحتى الجماع· من أجل إبعاد أو تأخير الشيخوخة، ينبغي الاعتناء الجيد بالتغذية التي يجب أن تكون متوازنة ومتنوعة ومكافحة السمنة منذ الصغر، وتفادي كل المواد المنشّطة والمخدّرة، تجنّب الضغوطات والقلق والحسرة والملل، ومحاولة الحفاظ على البشاشة والانشغال دائما بعمل مسلي يدوي أو فكري والابتعاد عن الضجيج ثم معالجة ومتابعة المرض منذ بدايته وطول المدة الضرورية
